فصل: ثالثاً: الجهر والإسرار

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الموسوعة الفقهية الكويتية ****


صَلاَةُ المَغْرب

انظر‏:‏ الصّلوات الخمس المفروضة‏.‏

الصَّلاةُ على الميّت

انظر‏:‏ جنائز‏.‏

صَلاَةُ النّافلة

انظر‏:‏ صلاة التّطوّع‏.‏

صَلاَةُ النّفل

انظر‏:‏ صلاة التّطوّع‏.‏

صَلاَةُ الوِتْر

التّعريف

1 - الوتر ‏"‏ بفتح الواو وكسرها ‏"‏ لغةً‏:‏ العدد الفرديّ، كالواحد والثّلاثة والخمسة، ومنه قول النّبيّ صلى الله عليه وسلم‏:‏ «إنّ اللّه وتر يحبّ الوتر»‏.‏ ومن كلام العرب‏:‏ كان القوم شفعاً فوترتهم وأوترتهم، أي جعلت شفعهم وتراً‏.‏ وفي الحديث‏:‏ «من استجمر فليوتر» معناه‏:‏ فليستنج بثلاثة أحجار أو خمسة أو سبعة، ولا يستنج بالشّفع‏.‏

والوتر في الاصطلاح‏:‏ صلاة الوتر، وهي صلاة تفعل ما بين صلاة العشاء وطلوع الفجر، تختم بها صلاة اللّيل، سمّيت بذلك لأنّها تصلّى وتراً، ركعةً واحدةً، أو ثلاثاً، أو أكثر، ولا يجوز جعلها شفعاً، ويقال‏:‏ صلّيت الوتر، وأوترت، بمعنىً واحد‏.‏

وصلاة الوتر اختلف فيها، ففي قول‏:‏ هي جزء من صلاة قيام اللّيل والتّهجّد، قال النّوويّ‏:‏ هذا هو الصّحيح المنصوص عليه في الأمّ، وفي المختصر‏.‏ وفي وجه أي لبعض الشّافعيّة‏:‏ أنّه لا يسمّى تهجّداً، بل الوتر غير التّهجّد‏.‏

الحكم التّكليفيّ

2 - ذهب جمهور الفقهاء إلى أنّ الوتر سنّة مؤكّدة، وليس واجباً، ودليل سنّيّته قول النّبيّ صلى الله عليه وسلم‏:‏ «إنّ اللّه وتر يحبّ الوتر، فأوتروا يا أهل القرآن» وأنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم فعله وواظب عليه‏.‏

واستدلّوا لعدم وجوبه بما ثبت‏:‏ «أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم سأله أعرابيّ‏:‏ عمّا فرض اللّه عليه في اليوم واللّيلة‏؟‏ فقال‏:‏ خمس صلوات، فقال‏:‏ هل عليّ غيرها‏؟‏ قال‏:‏ لا إلاّ أن تطوّع»‏.‏

وعن عبد اللّه بن محيريز «أنّ رجلًا من بني كنانة يدعى المخدجيّ سمع رجلاً بالشّام يكنّى أبا محمّد، يقول‏:‏ الوتر واجب‏.‏ قال المخدجيّ‏:‏ فرحت إلى عبادة بن الصّامت - رضي الله عنه - فاعترضت له وهو رائح إلى المسجد، فأخبرته بالّذي قال أبو محمّد، فقال عبادة‏:‏ كذب أبو محمّد، سمعت رسول اللّه - صلى الله عليه وسلم - يقول‏:‏ خمس صلوات كتبهنّ اللّه على العباد، من جاء بهنّ، لم يضيّع منهنّ شيئاً، استخفافاً بحقّهنّ، كان له عند اللّه عهد أن يدخله الجنّة، ومن لم يأت بهنّ فليس له عند اللّه عهد، إن شاء عذّبه وإن شاء أدخله الجنّة»‏.‏

وقال عليّ - رضي الله عنه - الوتر ليس بحتم كهيئة الصّلاة المكتوبة، ولكن سنّة، سنّها رسول اللّه صلى الله عليه وسلم ‏"‏ قالوا‏:‏ ولأنّ الوتر يجوز فعله على الرّاحلة لغير الضّرورة، وثبت ذلك بفعل النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال ابن عمر - رضي الله عنهما -‏:‏ «كان رسول اللّه صلى الله عليه وسلم يسبّح على الرّاحلة قبل أيّ وجه توجّه، ويوتر عليها، غير أنّه لا يصلّي عليها المكتوبة» فلو كانت واجبةً لما صلّاها على الرّاحلة، كالفرائض‏.‏

وذهب أبو حنيفة - خلافاً لصاحبيه - وأبو بكر من الحنابلة‏:‏ إلى أنّ الوتر واجب، وليس بفرض، وإنّما لم يجعله فرضاً، لأنّه لا يكفر جاحده، ولا يؤذّن له كأذان الفرائض، واستدلّ بوجوبه بقول النّبيّ صلى الله عليه وسلم‏:‏ «الوتر حقّ، فمن لم يوتر فليس منّا كرّر ثلاثاً» وبقوله صلى الله عليه وسلم‏:‏ «إنّ اللّه تعالى أمدّكم بصلاة هي خير لكم من حمر النّعم، وهي صلاة الوتر، فصلّوها ما بين صلاة العشاء إلى صلاة الفجر» وهو أمر، والأمر يقتضي الوجوب، والأحاديث الآمرة به كثيرة، ولأنّه صلاة مؤقّتة تقضى‏.‏

وروي عن أبي حنيفة‏:‏ أنّه سنّة، وعنه رواية ثالثة‏:‏ أنّه فرض، لكن قال ابن الهمام‏:‏ مراده بكونه سنّةً‏:‏ أنّه ثبت بالسّنّة، فلا ينافي الوجوب، ومراده بأنّه فرض‏:‏ أنّه فرض عمليّ، وهو الواجب‏.‏

وجوب الوتر على النّبيّ صلى الله عليه وسلم

3 - صرّح الشّافعيّة والحنابلة‏:‏ بأنّ من خصائص النّبيّ صلى الله عليه وسلم وجوب الوتر عليه، قالوا‏:‏ وكونه كان يصلّي الوتر على الرّاحلة يحتمل أنّه لعذر، أو أنّه كان واجباً عليه في الحضر دون السّفر‏.‏ واستدلّوا بقول النّبيّ صلى الله عليه وسلم‏:‏ «ثلاث هنّ عليّ فرائض، وهنّ لكم تطوّع‏:‏ الوتر، والنّحر، وصلاة الضّحى»‏.‏

درجة السّنّيّة في صلاة الوتر عند غير الحنفيّة، ومنزلتها بين سائر النّوافل

4 - صلاة الوتر عند الجمهور سنّة مؤكّدة لحديث عبد اللّه بن محيريز السّابق، والأحاديث الّتي تحضّ عليها، وحديث خارجة بن حذافة قال‏:‏ قال‏:‏ رسول اللّه صلى الله عليه وسلم‏:‏ «إنّ اللّه أمدّكم بصلاة هي خير لكم من حمر النّعم، وهي صلاة الوتر، فصلّوها ما بين صلاة العشاء إلى صلاة الفجر»‏.‏

ومن هنا ذهب الحنابلة إلى أنّ من تركها فقد أساء، وكره له ذلك‏.‏ قال أحمد‏:‏ من ترك الوتر عمداً فهو رجل سوء، ولا ينبغي أن تقبل له شهادة‏.‏ ا هـ‏.‏

والوتر من السّنن الرّواتب عند الحنابلة، وفي أحد قولين للشّافعيّة، وهو عند المالكيّة والشّافعيّة‏:‏ آكد الرّواتب وأفضلها‏.‏

وآكد النّوافل عند الحنابلة‏:‏ صلاة الكسوف، لأنّه صلى الله عليه وسلم لم يتركها عند وجود سببها، ثمّ الاستسقاء، لأنّه تشرع لها الجماعة مطلقاً، فأشبهت الفرائض، ثمّ التّراويح، لأنّه لم يداوم عليها خشية أن تفرض، لكنّها أشبهت الفرائض من حيث مشروعيّة الجماعة لها، ثمّ الوتر، لأنّه ورد فيه من الأخبار ما لم يأت مثله في ركعتي الفجر، ثمّ سنّة الفجر، ثمّ سنّة المغرب، ثمّ باقي الرّواتب سواء‏.‏

وقت الوتر

5 - وقت الوتر عند الحنابلة - وهو المعتمد عند الشّافعيّة - يبدأ من بعد صلاة العشاء وذلك لحديث خارجة المتقدّم، وفيه‏:‏ «فصلّوها ما بين العشاء إلى طلوع الفجر» قالوا‏:‏ ويصلّى استحباباً بعد سنّة العشاء ؛ ليوالي بين العشاء وسنّتها‏.‏ قالوا‏:‏ ولو جمع المصلّي بين المغرب والعشاء جمع تقديم، أي في وقت المغرب فيبدأ وقت الوتر من بعد تمام صلاة العشاء‏.‏

ومن صلّى الوتر قبل أن يصلّي العشاء لم يصحّ وتره لعدم دخول وقته، فإن فعله نسياناً أعاده‏.‏

وفي قول عند الشّافعيّة‏:‏ وقت الوتر هو وقت العشاء، فلو صلّى الوتر قبل أن يصلّي العشاء صحّ وتره‏.‏

وآخر وقته عند الشّافعيّة، والحنابلة طلوع الفجر الثّاني لحديث خارجة المتقدّم‏.‏

وذهب المالكيّة‏:‏ إلى أنّ أوّل وقت صلاة الوتر من بعد صلاة العشاء الصّحيحة ومغيب الشّفق، فمن قدّم العشاء في جمع التّقديم فإنّه لا يصلّي الوتر إلاّ بعد مغيب الشّفق‏.‏ وأمّا آخر وقت الوتر عندهم فهو طلوع الفجر، إلاّ في الضّرورة، وذلك لمن غلبته عيناه عن ورده فله أن يصلّيه، فيوتر ما بين طلوع الفجر وبين أن يصلّي الصّبح، ما لم يخش أن تفوت صلاة الصّبح بطلوع الشّمس‏.‏ فلو شرع في صلاة الصّبح، وكان منفرداً، قبل أن يصلّي الوتر، ندب له قطعها ليصلّي الوتر‏.‏ ولا يندب ذلك للمؤتمّ، وفي الإمام روايتان‏.‏ وذهب الحنفيّة‏:‏ إلى أنّ وقت الوتر هو وقت العشاء،أي من غروب الشّفق إلى طلوع الفجر، ولذا اكتفي بأذان العشاء وإقامته، فلا يؤذّن للوتر، ولا يقام لها، مع قولهم بوجوبها‏.‏ قالوا‏:‏ ولا يجوز تقديم صلاة الوتر على صلاة العشاء، لا لعدم دخول وقتها، بل لوجوب التّرتيب بينها وبين العشاء‏.‏ فلو صلّى الوتر قبل العشاء ناسياً، أو صلّاهما، فظهر فساد صلاة العشاء دون الوتر يصحّ الوتر ويعيد العشاء وحدها عند أبي حنيفة، لأنّ التّرتيب يسقط بمثل هذا العذر‏.‏ وقال الحنفيّة - أيضاً -‏:‏ من لم يجد وقت العشاء والوتر، بأن كان في بلد يطلع فيه الفجر مع غروب الشّفق، أو قبله، فلا يجب عليه العشاء ولا الوتر‏.‏

6- واتّفق الفقهاء‏:‏ على أنّه يسنّ جعل الوتر آخر النّوافل الّتي تصلّى باللّيل ؛ لقول النّبيّ صلى الله عليه وسلم‏:‏ «اجعلوا آخر صلاتكم باللّيل وتراً»‏.‏

فإن أراد من صلّى العشاء أن يتنفّل يجعل وتره بعد النّفل، وإن كان يريد أن يتهجّد - أي يقوم من آخر اللّيل - فإنّه إذا وثق باستيقاظه أواخر اللّيل يستحبّ له أن يؤخّر وتره ليفعله آخر اللّيل، وإلاّ فيستحبّ تقديمه قبل النّوم ؛ لحديث‏:‏ «من خاف أن لا يقوم من آخر اللّيل فليوتر أوّله، ومن طمع أن يقوم آخره فليوتر آخر اللّيل، فإنّ صلاة آخر اللّيل مشهودة، وذلك أفضل» وحديث عائشة - رضي الله عنها - قالت‏:‏ «من كلّ اللّيل قد أوتر رسول اللّه صلى الله عليه وسلم، من أوّل اللّيل وأوسطه وآخره، فانتهى وتره إلى السّحر»‏.‏

عدد ركعات صلاة الوتر

7 - أقلّ صلاة الوتر عند الشّافعيّة والحنابلة ركعة واحدة‏.‏ قالوا‏:‏ ويجوز ذلك بلا كراهة لحديث‏:‏ «صلاة اللّيل مثنى مثنى، فإذا خفت الصّبح فأوتر بواحدة» والاقتصار عليها خلاف الأولى، لكن في قول عند الشّافعيّة‏:‏ شرط الإيتار بركعة سبق نفل بعد العشاء من سنّتها، أو غيرها ليوتر النّفل‏.‏

وفي قول عند الحنابلة - خلاف الصّحيح من المذهب -‏:‏ يكره الإيتار بركعة حتّى في حقّ المسافر، تسمّى البتيراء، ذكره صاحب الإنصاف‏.‏

وقال الحنفيّة‏:‏ لا يجوز الإيتار بركعة، «لأنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم نهى عن البتيراء» قالوا‏:‏ ‏"‏ روي أنّ عمر - رضي الله عنه - رأى رجلاً يوتر بواحدة، فقال‏:‏ ما هذه البتيراء‏؟‏ لتشفعنّها أو لأؤدّبنّك ‏"‏‏.‏

وقال الشّافعيّة والحنابلة‏:‏ أكثر الوتر إحدى عشرة ركعةً، وفي قول عند الشّافعيّة أكثره ثلاث عشرة ركعةً، ويجوز بما بين ذلك من الأوتار ؛ لقول النّبيّ صلى الله عليه وسلم‏:‏ «من أحبّ أن يوتر بخمس فليفعل، ومن أحبّ أن يوتر بثلاث فليفعل، ومن أحبّ أن يوتر بواحدة فليفعل»‏.‏ وقوله‏:‏ «أوتروا بخمس أو سبع أو تسع أو إحدى عشرة»‏.‏

وقالت أمّ سلمة - رضي الله عنها -‏:‏ «كان رسول اللّه صلى الله عليه وسلم يوتر بثلاث عشرة ركعةً»‏.‏ لكن قال المحلّيّ‏:‏ يحمل هذا على أنّها حسبت فيه سنّة العشاء‏.‏

وأدنى الكمال عند الشّافعيّة والحنابلة ثلاث ركعات، فلو اقتصر على ركعة كان خلاف الأولى‏.‏ ونصّ الحنابلة‏:‏ على أنّه لا يكره الإيتار بركعة واحدة، ولو بلا عذر‏.‏

وأكمل من الثّلاث خمس، ثمّ سبع، ثمّ تسع ثمّ إحدى عشرة، وهي أكمله‏.‏

أمّا الحنفيّة‏:‏ فلم يذكروا في عدده إلاّ ثلاث ركعات، بتشهّدين وسلام، كما يصلّى المغرب‏.‏ واحتجّوا بقول عائشة - رضي الله عنها - «كان رسول اللّه صلى الله عليه وسلم يوتر بثلاث لا يسلّم إلاّ في آخرهنّ» وفي الهداية‏:‏ حكى الحسن إجماع المسلمين على الثّلاث‏.‏ قال ابن الهمام‏:‏ وهو مرويّ عن فقهاء المدينة السّبعة‏.‏

أمّا عند المالكيّة‏:‏ فإنّ الوتر ركعة واحدة، لكن لا تكون إلاّ بعد شفع يسبقها‏.‏

واختلف‏:‏ هل تقديم الشّفع شرط صحّة أو كمال‏؟‏ قالوا‏:‏ وقد تسمّى الرّكعات الثّلاث وتراً إلاّ أنّ ذلك مجاز، والوتر في الحقيقة هو الرّكعة الواحدة‏.‏ ويكره أن يصلّي واحدةً فقط، بل بعد نافلة، وأقلّ تلك النّافلة ركعتان، ولا حدّ لأكثرها‏.‏ قالوا‏:‏ والأصل في ذلك حديث‏:‏ «صلاة اللّيل مثنى مثنى، فإذا خشي أحدكم الصّبح صلّى ركعةً واحدةً توتر له ما قد صلّى»‏.‏

ويستثنى من كراهة الإيتار بركعة واحدة من كان له عذر، كالمسافر والمريض، فقد قيل‏:‏ لا يكره له ذلك، وقيل‏:‏ يكره له أيضاً‏.‏ فإن أوتر دون عذر بواحدة دون شفع قبلها، قال أشهب‏:‏ يعيد وتره بأثر شفع ما لم يصلّ الصّبح‏.‏ وقال سحنون‏:‏ إن كان بحضرة ذلك أي بالقرب، شفعها بركعة ثمّ أوتر، وإن تباعد أجزأه‏.‏

وقالوا‏:‏ لا يشترط في الشّفع الّذي قبل ركعة الوتر نيّة تخصّه، بل يكتفي بأيّ ركعتين كانتا‏.‏

صفة صلاة الوتر

أوّلاً‏:‏ الفصل والوصل

8 - المصلّي إمّا أن يوتر بركعة، أو بثلاث، أو بأكثر‏:‏

أ - فإن أوتر المصلّي بركعة - عند القائلين بجوازه - فالأمر واضح‏.‏

ب - وإن أوتر بثلاث، فله ثلاث صور‏:‏

الصّورة الأولى‏:‏ أن يفصل الشّفع بالسّلام، ثمّ يصلّي الرّكعة الثّالثة بتكبيرة إحرام مستقلّة‏.‏ وهذه الصّورة عند غير الحنفيّة، وهي المعيّنة عند المالكيّة، فيكره ما عداها، إلاّ عند الاقتداء بمن يصِلُ‏.‏

وأجازها الشّافعيّة والحنابلة، وقالوا‏:‏ إنّ الفصل أفضل من الوصل، لزيادته عليه السّلام وغيره‏.‏ وفي قول عند الشّافعيّة‏:‏ إن كان إماماً فالوصل أفضل، لأنّه يقتدي به المخالف، وإن كان منفرداً فالفصل أفضل‏.‏ قالوا‏:‏ ودليل هذه الصّورة ما ورد عن ابن عمر - رضي الله عنهما - أنّه قال‏:‏ «كان النّبيّ صلى الله عليه وسلم يفصل بين الشّفع والوتر بتسليمة» وورد‏:‏ أنّ ابن عمر - رضي الله عنهما - كان يسلّم من الرّكعتين حتّى يأمر ببعض حاجته‏.‏ وصرّح الحنابلة بأنّه يسنّ فعل الرّكعة بعد الشّفع بعد تأخير لها عنه‏.‏ نصّ على ذلك أحمد‏.‏ ويستحبّ أن يتكلّم بين الشّفع والوتر ليفصل‏.‏

وذكر الشّافعيّة أنّه ينوي في الرّكعتين إن أراد الفصل‏:‏ ‏"‏ ركعتين من الوتر ‏"‏ أو ‏"‏ سنّة الوتر‏"‏ أو ‏"‏ مقدّمة الوتر ‏"‏ قالوا‏:‏ ولا يصحّ بنيّة ‏"‏ الشّفع ‏"‏ أو ‏"‏ سنّة العشاء ‏"‏ أو ‏"‏ صلاة اللّيل ‏"‏‏.‏ الصّورة الثّانية‏:‏ أن يصلّي الثّلاث متّصلةً سرداً، أي من غير أن يفصل بينهنّ بسلام ولا جلوس، وهي عند الشّافعيّة والحنابلة أولى من الصّورة التّالية‏.‏ واستدلّوا لهذه الصّورة بأنّ «النّبيّ صلى الله عليه وسلم‏:‏ كان يوتر بخمس، لا يجلس إلاّ في آخرها»‏.‏

وهذه الصّورة مكروهة عند المالكيّة، لكن إن صلّى خلف من فعل ذلك فيواصل معه‏.‏ الصّورة الثّالثة‏:‏ الوصل بين الرّكعات الثّلاث، بأن يجلس بعد الثّانية فيتشهّد ولا يسلّم، بل يقوم للثّالثة ويسلّم بعدها، فتكون في الهيئة كصلاة المغرب، إلاّ أنّه يقرأ في الثّالثة سورةً بعد الفاتحة خلافاً للمغرب‏.‏

وهذه الصّورة هي المتعيّنة عند الحنفيّة‏.‏ قالوا‏:‏ فلو نسي فقام للثّالثة دون تشهّد فإنّه لا يعود، وكذا لو كان عامداً عند أبي حنيفة، وهذا استحسان‏.‏ والقياس أن يعود، واحتجّوا لتعيّنها بقول أبي العالية‏:‏ ‏"‏ علَّمنا أصحاب محمّد صلى الله عليه وسلم‏:‏ أنّ الوتر مثل صلاة المغرب، فهذا وتر اللّيل، وهذا وتر النّهار ‏"‏‏.‏

وقال الشّافعيّة‏:‏ هي جائزة مع الكراهة ؛ لأنّ تشبيه الوتر بالمغرب مكروه‏.‏

وقال الحنابلة‏:‏ لا كراهة إلاّ أنّ القاضي أبا يعلى منع هذه الصّورة‏.‏ وخيّر ابن تيميّة بين الفصل والوصل‏.‏

ج - أن يصلّي أكثر من ثلاث‏:‏

9 - وهو جائز - كما تقدّم - عند الشّافعيّة والحنابلة‏.‏

قال الشّافعيّة‏:‏ فالفصل بسلام بعد كلّ ركعتين أفضل، لحديث‏:‏ «كان صلى الله عليه وسلم يصلّي فيما بين أن يفرغ من صلاة العشاء إلى الفجر بإحدى عشرة ركعةً ويسلّم من كلّ ركعتين، ويوتر بواحدة» ويجوز أن يصلّي أربعاً بتسليمة، وستّاً بتسليمة، ثمّ يصلّي ركعةً، وله الوصل بتشهّد، أو تشهّدين في الثّلاث الأخيرة‏.‏

وقال الحنابلة‏:‏ إن أوتر بخمس أو سبع فالأفضل أن يسردهنّ سرداً فلا يجلس إلاّ في آخرهنّ، لحديث عائشة - رضي الله عنها -‏:‏ «كان النّبيّ صلى الله عليه وسلم يصلّي من اللّيل ثلاث عشرة ركعةً يوتر من ذلك بخمس لا يجلس إلاّ في آخرها»‏.‏ ولحديث أمّ سلمة - رضي الله عنها - قالت‏:‏ «كان النّبيّ صلى الله عليه وسلم يوتر بخمس، وسبع، لا يفصل بينهنّ بتسليم»‏.‏

وإن أوتر بتسع فالأفضل أن يسرد ثمانياً، ثمّ يجلس للتّشهّد ولا يسلّم، ثمّ يصلّي التّاسعة ويتشهّد ويسلّم‏.‏ ويجوز في الخمس والسّبع والتّسع أن يسلّم من كلّ ركعتين‏.‏

وإن أوتر بإحدى عشرة فالأفضل أن يسلّم من كلّ ركعتين، ويجوز أن يسرد عشراً، ثمّ يتشهّد، ثمّ يقوم فيأتي بالرّكعة ويسلّم، ويجوز أن يسرد الإحدى عشرة فلا يجلس ولا يتشهّد إلاّ في آخرها‏.‏

ثانياً‏:‏ القيام والقعود في صلاة الوتر، وأداؤها على الرّاحلة

10 - ذهب الحنفيّة إلى أنّ صلاة الوتر لا تصحّ إلاّ من قيام، إلاّ لعاجز، فيجوز أن يصلّيها قاعداً، ولا تصحّ على الرّاحلة من غير عذر‏.‏

وذهب جمهور الفقهاء - المالكيّة والشّافعيّة والحنابلة - إلى أنّه تجوز للقاعد أن يصلّيها ولو كان قادراً على القيام، وإلى جواز صلاتها على الرّاحلة ولو لغير عذر‏.‏ وذلك مرويّ عن عليّ وابن عمر وابن عبّاس والثّوريّ وإسحاق - رضي الله عنهم - قالوا‏:‏ لأنّها سنّة، فجاز فيها ذلك كسائر السّنن‏.‏

واحتجّوا لذلك بما ورد من حديث ابن عمر - رضي الله عنهما - «أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم كان يسبّح على الرّاحلة قبل أيّ وجه توجّه، ويوتر عليها، غير أنّه لا يصلّي عليها المكتوبة»‏.‏

وعن سعيد بن يسار أنّه قال‏:‏ «كنت أسير مع ابن عمر - رضي الله عنهما - بطريق مكّة، قال سعيد‏:‏ فلمّا خشيت الصّبح نزلت فأوترت، ثمّ أدركته، فقال لي ابن عمر‏:‏ أين كنت‏؟‏ فقلت له‏:‏ خشيت الفجر فنزلت فأوترت‏.‏ فقال عبد اللّه‏:‏ أليس لك في رسول اللّه صلى الله عليه وسلم أسوة‏؟‏ فقلت‏:‏ بلى واللّه‏.‏ قال‏:‏ إنّ رسول اللّه صلى الله عليه وسلم كان يوتر على البعير»‏.‏

ثالثاً‏:‏ الجهر والإسرار

11 - قال الحنفيّة‏:‏ يجهر في الوتر إن كان إماماً في رمضان لا في غيره‏.‏

وقال المالكيّة‏:‏ تأكّد ندب الجهر بوتر، سواء صلّاه ليلاً أو بعد الفجر‏.‏

وقال الشّافعيّة‏:‏ يسنّ لغير المأموم أن يجهر بالقراءة في وتر رمضان، ويسرّ في غيره‏.‏ وقال الحنابلة‏:‏ يخيّر المنفرد في صلاة الوتر في الجهر وعدمه، وظاهر كلام جماعة‏:‏ أنّ الجهر يختصّ بالإمام فقط، قال في الخلاف‏:‏ وهو أظهر‏.‏

رابعاً‏:‏ ما يقرأ في صلاة الوتر

12 - اتّفق الفقهاء على أنّه يقرأ في كلّ ركعة من الوتر الفاتحة وسورةً‏.‏

والسّورة عند الجمهور سنّة، لا يعود لها إن ركع وتركها‏.‏

ثمّ ذهب الحنفيّة إلى أنّه لم يوقّت في القراءة في الوتر شيء غير الفاتحة، فما قرأ فيه فهو حسن، وما ورد عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم‏:‏ أنّه قرأ به في الأولى بسورة ‏{‏سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى‏}‏، وفي الثّانية ‏"‏ بالكافرون ‏"‏ وفي الثّالثة ‏"‏ بالإخلاص ‏"‏، فيقرأ به أحياناً، ويقرأ بغيره أحياناً للتّحرّز عن هجران باقي القرآن‏.‏

وذهب الحنابلة إلى أنّه يندب القراءة بعد الفاتحة بالسّور الثّلاث المذكورة، لما ورد من حديث ابن عبّاس - رضي الله عنهما -‏:‏ «أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم كان يقرأ ذلك»‏.‏ وذهب المالكيّة والشّافعيّة - كذلك - إلى أنّه يندب في الشّفع ‏"‏ سبّح، والكافرون ‏"‏، أمّا في الثّالثة فيندب أن يقرأ ‏"‏ بسورة الإخلاص، والمعوّذتين ‏"‏، لحديث عائشة - رضي الله عنها - في ذلك‏.‏ لكن قال المالكيّة‏:‏ يندب ذلك إلاّ لمن له حزب، أي قدر من القرآن يقرؤه ليلاً، فيقرأ من حزبه في الشّفع والوتر‏.‏

خامساً‏:‏ القنوت في صلاة الوتر

13 - ذهب جمهور الفقهاء إلى أنّ القنوت في الوتر مشروع في الجملة، واختلفوا في أنّه واجب أو مستحبّ، وفي أنّه يكون في جميع ليالي السّنة أو في بعضها، وفي أنّه هل يكون قبل الرّكوع أو بعده، وفيما يسنّ أن يدعو به، وفي غير ذلك من مسائله‏.‏

وذهب المالكيّة إلى أنّ القنوت في الوتر مكروه‏.‏ وينظر بيان ذلك في مصطلح ‏(‏قنوت‏)‏‏.‏

الوتر في السّفر

14 - لا يختلف حكم صلاة الوتر في السّفر عنه في الحضر، فمن قال‏:‏ إنّه سنّة، وهم المالكيّة والشّافعيّة والحنابلة - غير أبي بكر من الحنابلة وأبي يوسف ومحمّد من الحنفيّة - فإنّه يسنّ في السّفر كالحضر‏.‏

ومن قال إنّه واجب - وهو ما ذهب إليه أبو حنيفة وأبو بكر من الحنابلة - فإنّه يجب في السّفر كالحضر‏.‏

أداء صلاة الوتر في جماعة

15 - ينصّ الشّافعيّة والحنابلة على أنّه لا يسنّ أن يصلّى الوتر في جماعة، لكن تندب الجماعة في الوتر الّذي يكون عقب التّراويح، تبعاً لها‏.‏

وصرّح الحنفيّة بأنّه يندب فعله حينئذ في المسجد تبعاً للتّراويح، وقال بعضهم‏:‏ بل يسنّ أن يكون الوتر في المنزل‏.‏ قال في الفتاوى الهنديّة‏:‏ هذا هو المختار‏.‏

وقال المالكيّة‏:‏ يندب فعلها في البيوت ولو جماعةً إن لم تعطّل المساجد عن صلاتها بها جماعةً‏.‏ وعلّلوا أفضليّة الانفراد بالسّلامة من الرّياء، ولا يسلم منه إلاّ إذا صلّى وحده في بيته‏.‏

ونصّ الحنابلة على أنّ فعل الوتر في البيت أفضل، كسائر السّنن إلاّ لعارض، فالمعتكف يصلّيها في المسجد، وإن صلّى مع الإمام التّراويح يصلّي معه الوتر لينال فضيلة الجماعة، لكن إن كان له تهجّد فإنّه يتابع الإمام في الوتر فإذا سلّم الإمام لم يسلّم معه بل يقوم فيشفع وتره، وذلك لينال فضيلة الجماعة‏.‏

ونصّ الحنابلة كذلك على أنّه لو أدرك المسبوق بالوتر مع الإمام ركعةً فإن كان الإمام سلّم من اثنتين أجزأت المسبوق الرّكعة عن وتره، وإن كان الإمام لم يسلّم من الرّكعتين فعلى المسبوق أن يقضيهما لحديث‏:‏ «ما أدركتم فصلّوا، وما فاتكم فاقضوا»‏.‏

نقض الوتر

16 - من صلّى الوتر ثمّ بدا له بعد ذلك أن يصلّي نفلاً، فإنّ ذلك جائز بلا كراهة عند الشّافعيّة كما قال النّوويّ‏.‏ ولو صلّى مع الإمام التّراويح، ثمّ أوتر معه وهو ينوي القيام بعد ذلك، فلا بأس أن يوتر معه إن طرأت له النّيّة بعده أو فيه‏.‏ أمّا إن طرأت له قبل ذلك فيكره له على ما صرّح به المالكيّة‏.‏

وإذا أراد أن يصلّي بعد الوتر فله عند الفقهاء طريقتان‏:‏

الطّريقة الأولى‏:‏ أن يصلّي شفعاً ما شاء، ثمّ لا يوتر بعد ذلك‏.‏

وقد أخذ الحنفيّة والمالكيّة والحنابلة بهذه الطّريقة، وهو المشهور عند الشّافعيّة وقول النّخعيّ والأوزاعيّ وعلقمة‏.‏ وقالوا‏:‏ لا ينقض وتره، وهو مرويّ عن أبي بكر وسعد وعمّار وابن عبّاس وعائشة - رضي الله عنهم - استدلّوا بقول عائشة - رضي الله عنها - وقد سئلت عن الّذي ينقض وتره فقالت‏:‏ ‏"‏ ذاك الّذي يلعب بوتره ‏"‏ رواه سعيد بن منصور‏.‏ واستدلّوا على عدم إيتاره مرّةً أخرى بحديث طلق بن عليّ مرفوعاً‏:‏ «لا وتران في ليلة» ولما صحّ‏:‏ «أنّه صلى الله عليه وسلم كان يصلّي بعد الوتر ركعتين»‏.‏

والطّريقة الثّانية‏:‏ وعليها القول الآخر عند الشّافعيّة‏:‏ أن يبدأ نفله بركعة يشفع بها وتره، ثمّ يصلّي شفعاً ما شاء ثمّ يوتر، وهو مرويّ عن عثمان وعليّ وأسامة، وسعد وابن عمر وابن مسعود وابن عبّاس - رضي الله عنهم - على ما صرّح به النّوويّ وابن قدامة‏.‏ ثمّ قال‏:‏ ولعلّهم ذهبوا إلى قول النّبيّ صلى الله عليه وسلم‏:‏«اجعلوا آخر صلاتكم باللّيل وتراً»‏.‏

قضاء صلاة الوتر

17 - ذهب الحنفيّة إلى أنّ من طلع عليه الفجر ولم يصلّ الوتر يجب عليه قضاؤه، سواء أتركه عمداً أم نسياناً وإن طالت المدّة، ومتى قضاه يقضيه بالقنوت‏.‏ فلو صلّى الصّبح وهو ذاكر أنّه لم يصلّ الوتر فصلاة الصّبح فاسدة عند أبي حنيفة لوجوب التّرتيب بين الوتر والفريضة‏.‏

ولا يقضي الوتر عند المالكيّة إذا تذكّره بعد أن صلّى الصّبح‏.‏ فإن تذكّره فيها ندب له إن كان منفرداً أن يقطعها ليصلّي الوتر ما لم يخف خروج الوقت، وإن تذكّره في أثناء ركعتي الفجر فقيل‏:‏ يقطعها كالصّبح، وقيل‏:‏ يتمّها ثمّ يوتر‏.‏

وذهب طاوس إلى أنّ الوتر يقضى ما لم تطلع الشّمس‏.‏

وذهب الحنابلة إلى أنّه يقضي الوتر إذا فات وقته، أي على سبيل النّدب لقول النّبيّ صلى الله عليه وسلم‏:‏ «من نام عن الوتر أو نسيه فليصلّه إذا أصبح أو ذكره» قالوا‏:‏ ويقضيه مع شفعه‏.‏

والصّحيح عند الشّافعيّة‏:‏ أنّه يستحبّ قضاء الوتر وهو المنصوص في الجديد ويستحبّ القضاء أبداً لقول النّبيّ صلى الله عليه وسلم‏:‏ «من نام عن صلاة أو نسيها فليصلّها إذا ذكرها»‏.‏

والقول الثّاني‏:‏ لا تقضى وهو نصّه في القديم‏.‏

التّسبيح بعد الوتر

18 - يستحبّ أن يقول بعد الوتر‏:‏ ‏"‏ سبحان الملك القدّوس ‏"‏ ثلاث مرّات، ويمدّ صوته بها في الثّالثة، لحديث عبد الرّحمن بن أبزى قال‏:‏ «كان رسول اللّه صلى الله عليه وسلم يوتر ب ‏{‏سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى‏}‏، و ‏{‏قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ‏}‏، و ‏{‏قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ‏}‏، وإذا أراد أن ينصرف من الوتر قال‏:‏ سبحان الملك القدّوس‏.‏ ثلاث مرّات، ثمّ يرفع صوته بها في الثّالثة»‏.‏

الصّلاة الوسطى

التّعريف‏:‏

1 - تعريف الصّلاة‏:‏ انظر‏:‏ صلاة‏.‏ والوسطى مؤنّث الأوسط، وأوسط الشّيء ما بين طرفيه، وهو من أوسط قومه‏:‏ من خيارهم، «وفي صفة النّبيّ صلى الله عليه وسلم‏:‏ أنّه من أوسط قومه»، أي خيارهم، والوسط‏:‏ وسط الشّيء، ما بين طرفيه، والمعتدل من كلّ شيء، والعدل، والخير، يوصف به المفرد وغيره، وفي التّنزيل‏:‏ ‏{‏وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً‏}‏، أي خياراً عدولاً‏.‏

تحديد الصّلاة الوسطى

اختلف الفقهاء في تحديد الصّلاة الوسطى الوارد ذكرها في قوله تعالى‏:‏ ‏{‏حَافِظُواْ عَلَى الصَّلَوَاتِ والصَّلاَةِ الْوُسْطَى وَقُومُواْ لِلّهِ قَانِتِينَ‏}‏ وذلك على الوجه الآتي‏:‏

2 - قيل‏:‏ إنّها صلاة الصّبح، وهذا قول مالك وهو المشهور في مذهبه، وهو قول الشّافعيّ، نصّ عليه في الأمّ وغيره، ونقل الواحديّ هذا القول عن عمر ومعاذ بن جبل وابن عبّاس وابن عمر وجابر - رضي الله تعالى عنهم - وعطاء ومجاهد والرّبيع بن أنس - رحمهم اللّه تعالى - وهو قول علماء المدينة‏.‏

ومستند هؤلاء‏:‏ أنّ صلاة الصّبح قبلها صلاتا ليل يجهر فيهما، وبعدها صلاتا نهار يسرّ فيهما ؛ ولأنّ وقتها يدخل والنّاس نيام، والقيام إليها شاقّ في زمن البرد لشدّة البرد، وفي زمن الصّيف لقصر اللّيل، فخصّت بالمحافظة عليها، حتّى لا يتغافل عنها بالنّوم‏.‏ ويستدلّون على ذلك بقوله تعالى‏:‏ ‏{‏وَقُومُواْ لِلّهِ قَانِتِينَ‏}‏ فقرنها بالقنوت، ولا قنوت إلاّ في الصّبح، قال أبو رجاء‏:‏ صلّى بنا ابن عبّاس - رضي الله تعالى عنهما - صلاة الغداة بالبصرة فقنت فيها قبل الرّكوع، ورفع يديه، فلمّا فرغ قال‏:‏ هذه الصّلاة الوسطى الّتي أمرنا اللّه تعالى أن نقوم فيها قانتين‏.‏ والقنوت لغةً‏:‏ يطلق على طول القيام وعلى الدّعاء، فعن جابر بن عبد اللّه - رضي الله عنهما - أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ «أفضل الصّلاة طول القنوت»‏.‏

وقال أبو إسحاق الزّجّاج‏:‏ المشهور في اللّغة والاستعمال أنّ القنوت‏:‏ العبادة والدّعاء للّه تعالى في حال القيام، قال الواحديّ‏:‏ فتظهر الدّلالة للشّافعيّ‏:‏ أنّ الوسطى الصّبح ؛ لأنّه لا فرض يكون فيه الدّعاء قائماً غيرها‏.‏

3 - وقيل‏:‏ إنّها العصر لأنّها بين صلاتين من صلاة اللّيل، وصلاتين من صلاة النّهار، وهو مذهب الحنفيّة والحنابلة وهو قول ابن حبيب من المالكيّة‏.‏ واختاره ابن العربيّ في قبسه، وابن عطيّة في تفسيره وقال‏:‏ وعلى هذا القول الجمهور من النّاس وبه أقول، ونقله الواحديّ عن عليّ وابن مسعود وأبي هريرة - رضي الله تعالى عنهم - والنّخعيّ والحسن وقتادة والضّحّاك والكلبيّ ومقاتل، ونقله ابن المنذر عن أبي أيّوب الأنصاريّ وأبي سعيد الخدريّ، وابن عمر وابن عبّاس - رضي الله تعالى عنهم - وعبيدة السّلمانيّ - رحمه الله تعالى - ونقله التّرمذيّ عن أكثر العلماء من الصّحابة وغيرهم‏.‏

والدّليل على أنّها صلاة العصر ما روي عن عليّ - رضي الله تعالى عنه - قال‏:‏ قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم يوم الأحزاب‏:‏ «شغلونا عن الصّلاة الوسطى صلاة العصر، ملأ اللّه بيوتهم وقبورهم نارًا»‏.‏

وعن ابن مسعود - رضي الله تعالى عنه - قال‏:‏ قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم‏:‏ «صلاة الوسطى صلاة العصر»‏.‏ ولأنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ «الّذي تفوته صلاة العصر كأنّما وتر أهله وماله»‏.‏ وقال‏:‏ «من ترك صلاة العصر فقد حبط عمله»‏.‏

وقال‏:‏ «إنّ هذه الصّلاة عرضت على من كان قبلكم فضيّعوها، فمن حافظ عليها كان له أجره مرّتين، ولا صلاة بعدها حتّى يطلع الشّاهد، يعني النّجم»‏.‏

وقال النّوويّ في المجموع‏:‏ الّذي تقتضيه الأحاديث الصّحيحة‏:‏ إنّ الصّلاة الوسطى هي العصر، وهو المختار‏.‏ ثمّ قال‏:‏ قال صاحب الحاوي‏:‏ نصّ الشّافعيّ أنّها الصّبح، وصحّت الأحاديث أنّها العصر، ومذهبه اتّباع الحديث، فصار مذهبه أنّها العصر، قال‏:‏ ولا يكون في المسألة قولان، كما وهم بعض أصحابنا‏.‏

4 - وقيل‏:‏ إنّها الصّبح والعصر معاً، قاله الشّيخ أبو بكر الأبهريّ من المالكيّة واختاره ابن أبي جمرة، والدّليل على ذلك قوله تعالى‏:‏ ‏{‏وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ الْغُرُوبِ‏}‏ يعني صلاة الفجر والعصر‏.‏ وروى جرير بن عبد اللّه قال‏:‏ «كنّا جلوساً عند النّبيّ صلى الله عليه وسلم إذ نظر إلى القمر ليلة البدر فقال‏:‏ أمّا إنّكم سترون ربّكم كما ترون هذا، لا تضامون‏.‏ في رؤيته، فإن استطعتم أن لا تغلبوا على صلاة قبل طلوع الشّمس وقبل غروبها، يعني العصر والفجر فافعلوا، ثمّ قرأ جرير‏:‏ ‏{‏وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا‏}‏» وقال النّبيّ صلى الله عليه وسلم‏:‏ «يتعاقبون فيكم ملائكة باللّيل وملائكة بالنّهار، ويجتمعون في صلاة الفجر وصلاة العصر، ثمّ يعرج الّذين باتوا فيكم، فيسألهم - وهو أعلم بهم - كيف تركتم عبادي‏؟‏ فيقولون‏:‏ تركناهم وهم يصلّون، وأتيناهم وهم يصلّون»‏.‏

وروى عمارة بن رؤيبة قال‏:‏ سمعت رسول اللّه صلى الله عليه وسلم يقول‏:‏ «لن يلج النّار أحد صلّى قبل طلوع الشّمس وقبل غروبها، يعني الفجر والعصر» وعنه أنّ رسول اللّه صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ «من صلّى البردين دخل الجنّة» وسمّيتا البردين لأنّهما يفعلان في وقت البرد‏.‏

5- وقيل‏:‏ إنّ الصّلاة الوسطى صلاة العتمة والصّبح، قال الدّمياطيّ‏:‏ ذكره ابن مقسم في تفسيره‏.‏ وقال أبو الدّرداء - رضي الله عنه - في مرضه الّذي مات فيه‏:‏ اسمعوا وبلّغوا من خلفكم‏:‏ حافظوا على هاتين الصّلاتين - يعني في جماعة - العشاء والصّبح، ولو تعلمون ما فيهما لأتيتموهما ولو حبواً على مرافقكم وركبكم‏.‏ وقاله عمر وعثمان - رضي الله تعالى عنهما - وورد عن رسول اللّه صلى الله عليه وسلم أنّه قال‏:‏ «ليس صلاةً أثقل على المنافقين من الفجر والعشاء، ولو يعلمون ما فيها لأتوهما ولو حبواً»‏.‏

وجعل لمصلّي الصّبح في جماعة قيام ليلة، والعتمة نصف ليلة، حيث قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم‏:‏ «من صلّى العشاء في جماعة فكأنّما قام نصف اللّيل، ومن صلّى الصّبح في جماعة فكأنّما صلّى اللّيل كلّه»‏.‏

6- وقيل‏:‏ هي الظّهر ؛ لأنّها وسط النّهار، والنّهار أوّله من طلوع الفجر، وممّن قال إنّ الظّهر هي الصّلاة الوسطى‏:‏ زيد بن ثابت، وأبو سعيد الخدريّ، وأسامة بن زيد، وعبد اللّه بن عمر، وعائشة - رضي الله عنهم - ونقله ابن المنذر عن عبد اللّه بن شدّاد‏.‏

وممّا يدلّ على أنّها وسطى‏:‏ ما قالته عائشة وحفصة حين أملتا‏:‏ ‏"‏ حافظوا على الصّلوات والصّلاة الوسطى وصلاة العصر ‏"‏ بالواو، وروي‏:‏ أنّها كانت أشقّ على المسلمين لأنّها كانت تجيء في الهاجرة وهم قد نفهتهم أعمالهم في أموالهم، وورد عن زيد بن ثابت قال‏:‏ «كان رسول اللّه صلى الله عليه وسلم يصلّي الظّهر بالهاجرة، ولم تكن صلاة أشدّ على أصحاب رسول اللّه صلى الله عليه وسلم منها، فنزلت‏:‏ ‏{‏حَافِظُواْ عَلَى الصَّلَوَاتِ والصَّلاَةِ الْوُسْطَى‏}‏»‏.‏

7- وقيل‏:‏ إنّها المغرب قال بذلك قبيصة بن ذؤيب في جماعة، وابن قتيبة وقتادة ؛ لأنّ الأولى هي الظّهر، فتكون المغرب الثّالثة، والثّالثة من كلّ خمس هي الوسطى ؛ ولأنّها وسطى في عدد الرّكعات ووسطى في الأوقات، فعدد ركعاتها ثلاث فهي وسطى بين الأربع والاثنين ووقتها في آخر النّهار وأوّل اللّيل، خصّت من بين الصّلاة بأنّها الوتر، واللّه وتر يحبّ الوتر، وبأنّها تصلّى في أوّل وقتها في جميع الأمصار والأعصار، ويكره تأخيرها عنه، وكذلك صلّاها جبريل بالنّبيّ صلى الله عليه وسلم في اليومين لوقت واحد، ولذلك ذهب بعض الأئمّة إلى أنّها ليس لها إلاّ وقت واحد، وقال النّبيّ صلى الله عليه وسلم‏:‏ «لا تزال أمّتي بخير - أو قال‏:‏ على الفطرة - ما لم يؤخّروا المغرب إلى أن تشتبك النّجوم» وروي من حديث عائشة - رضي الله عنها - عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ «إنّ أفضل الصّلوات عند اللّه صلاة المغرب لم يحطّها عن مسافر ولا مقيم، فتح اللّه بها صلاة اللّيل وختم بها صلاة النّهار فمن صلّى المغرب وصلّى بعدها ركعتين بنى اللّه له قصراً في الجنّة ومن صلّى بعدها أربع ركعات غفر اللّه له ذنب عشرين سنةً - أو قال - أربعين سنةً»‏.‏

8- وقيل‏:‏ إنّ الصّلاة الوسطى هي صلاة العشاء ؛ لأنّها بين صلاتين لا تقصران، ويستحبّ تأخيرها، وذلك شاقّ، فوقع التّأكيد في المحافظة عليها‏.‏

وممّن ذكر أنّ الصّلاة الوسطى هي العشاء أحمد بن عليّ النّيسابوريّ‏.‏ وروى ابن عمر قال‏:‏ «مكثنا ليلةً ننتظر رسول اللّه صلى الله عليه وسلم لصلاة العشاء الآخرة فخرج إلينا حين ذهب ثلث اللّيل أو بعده‏.‏ فقال‏:‏ إنّكم لتنتظرون صلاةً ما ينتظرها أهل دين غيركم، ولولا أن يثقل على أمّتي لصلّيت بهم هذه السّاعة» وقال‏:‏ «ليس صلاة أثقل على المنافقين من الفجر والعشاء، ولو يعلمون ما فيهما لأتوهما ولو حبواً»‏.‏

9- وقيل‏:‏ إنّ الصّلاة الوسطى غير معيّنة، فهي مبهمة في الصّلوات الخمس ليجتهد في الجميع كما في ليلة القدر والسّاعة الّتي في يوم الجمعة، قاله الرّبيع بن خيثم، وحكي عن ابن المسيّب، وقاله نافع عن ابن عمر، فخبّأها اللّه تعالى‏.‏ كما خبّأ ليلة القدر، وساعة يوم الجمعة، وساعات اللّيل المستجاب فيها الدّعاء ليقوموا باللّيل في الظّلمات لمناجاة عالم الخفيّات وممّا يدلّ على صحّة أنّها مبهمة غير معيّنة ما ورد عن البراء بن عازب قال‏:‏ «نزلت هذه الآية‏:‏ ‏(‏حافظوا على الصّلوات وصلاة العصر‏)‏، فقرأناها ما شاء اللّه ثمّ نسخها اللّه فنزلت ‏{‏حَافِظُواْ عَلَى الصَّلَوَاتِ والصَّلاَةِ الْوُسْطَى‏}‏، فقال رجل‏:‏ هي إذن صلاة العصر‏؟‏ فقال البراء‏:‏ قد أخبرتك كيف نزلت وكيف نسخها اللّه» فلزم من هذا أنّها بعد أن عيّنت نسخ تعيينها وأبهمت فارتفع التّعيين، وهذا اختيار مسلم‏.‏ وقال به غير واحد من العلماء المتأخّرين، قال القرطبيّ‏:‏ وهو - أي إبهامها وعدم تعيينها - الصّحيح إن شاء اللّه تعالى لتعارض الأدلّة وعدم التّرجيح، فلم يبق إلاّ المحافظة على جميعها، وأداؤها في أوقاتها‏.‏

10 - وقيل‏:‏ إنّها صلاة الجمعة، حكاه الماورديّ في تفسيره ؛ لأنّ الجمعة خصّت بالجمع لها والخطبة فيها، جعلت عيداً ذكره ابن حبيب ومكّيّ، وورد عن عبد اللّه بن مسعود «أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال لقوم يتخلّفون عن الجمعة‏:‏ لقد هممت أن آمر رجلاً يصلّي بالنّاس ثمّ أحرّق على رجال يتخلّفون عن الجمعة بيوتهم»‏.‏

11 - وقيل‏:‏ إنّها الصّلوات الخمس بجملتها، ذكره النّقّاش في تفسيره، وقاله معاذ بن جبل لأنّ قوله تعالى‏:‏ ‏{‏حَافِظُواْ عَلَى الصَّلَوَاتِ‏}‏، يعمّ الفرض والنّفل، ثمّ خصّ الفرض بالذّكر‏.‏

وقد ذكر الحطّاب أقوالاً أخرى سوى ما تقدّم‏.‏ يرجع إليه فيها‏.‏

الحكم التّكليفيّ وسبب إفرادها بالذّكر

12 - من الأقوال السّابقة يتبيّن أنّ الصّلاة الوسطى هي إحدى الصّلوات الخمس في الجملة‏.‏ والصّلوات الخمس فرض على كلّ مكلّف - كما هو معلوم - وقد أمر اللّه سبحانه وتعالى بالمحافظة عليها في قوله تعالى ‏{‏حَافِظُواْ عَلَى الصَّلَوَاتِ‏}‏‏.‏ ثمّ عطف عليها قوله تعالى‏:‏ ‏{‏والصَّلاَةِ الْوُسْطَى‏}‏‏.‏

يقول القرطبيّ‏:‏ وأفرد اللّه سبحانه وتعالى الصّلاة الوسطى بالذّكر، وقد دخلت قبل في عموم الصّلوات ؛ تشريفاً لها، كما في قوله تعالى‏:‏ ‏{‏وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثَاقَهُمْ وَمِنكَ وَمِن نُّوحٍ‏}‏ وقوله‏:‏ ‏{‏فِيهِمَا فَاكِهَةٌ وَنَخْلٌ وَرُمَّانٌ‏}‏‏.‏

وإفرادها بالذّكر يدلّ كذلك على أنّها آكد الصّلوات‏.‏ يقول النّوويّ‏:‏ اتّفق العلماء على أنّ الصّلاة الوسطى آكد الصّلوات الخمس واختلفوا في تحديدها‏.‏

صَلْب

انظر‏:‏ تصليب‏.‏

الصّلوات الخمس المفروضة

التّعريف

1 - الصّلوات مفردها صلاة، ولتعريفها‏:‏ ينظر مصطلح‏:‏ ‏(‏صلاة‏)‏‏.‏

والمراد بالمفروضة‏:‏ الصّلوات الخمس الّتي تؤدّى كلّ يوم وليلة، وهي‏:‏ الظّهر والعصر والمغرب والعشاء والفجر ثبتت فرضيّتها بالكتاب والسّنّة والإجماع، وهي معلومة من الدّين بالضّرورة، يكفر جاحدها‏.‏

والصّلوات الخمس‏:‏ هي آكد الفروض وأفضلها بعد الشّهادتين، وهي الرّكن الثّاني من أركان الإسلام الخمس‏.‏ ‏(‏ر‏:‏ صلاة‏)‏‏.‏

وقد ثبت عدد ركعات كلّ صلاة من هذه الصّلوات بسنّة رسول اللّه صلى الله عليه وسلم قولاً وفعلاً وبالإجماع‏.‏ قال الكاسانيّ‏:‏ عرفنا ذلك بفعل النّبيّ صلى الله عليه وسلم وقوله‏:‏ «صلّوا كما رأيتموني أصلّي»، وهذا لأنّه ليس في كتاب اللّه عدد ركعات الصّلوات فكانت نصوص الكتاب العزيز مجملةً في المقدار، ثمّ زال الإجمال ببيان النّبيّ صلى الله عليه وسلم قولاً وفعلاً‏.‏ وأداؤها بالجماعة سنّة مؤكّدة عند الجمهور خلافاً لبعض الحنفيّة ومن معهم حيث قالوا بوجوبها‏.‏ ‏(‏ر‏:‏ صلاة الجماعة‏)‏‏.‏

وفيما يلي بيان هذه الصّلوات حسب التّرتيب الّذي ذهب إليه جمهور الفقهاء - من المالكيّة والشّافعيّة والحنابلة - خلافاً للحنفيّة، حيث بدءوا بصلاة الصّبح‏.‏

أوّلاً‏:‏ صلاة الظّهر

2 - الظّهر‏:‏ ساعة الزّوال ووقته، ولهذا يجوز فيه التّأنيث والتّذكير، فيقال‏:‏ حان الظّهر أي وقت الزّوال، وحانت الظّهر أي ساعته‏.‏

والمراد بالزّوال‏:‏ ميل الشّمس عن كبد السّماء إلى المغرب فصلاة الظّهر هي الّتي تجب بدخول وقت الظّهر، وتفعل في وقت الظّهيرة‏.‏

وتسمّى صلاة الظّهر - أيضاً - بالأولى ؛ لأنّها أوّل صلاة صلّاها جبريل عليه السلام بالنّبيّ صلى الله عليه وسلم‏.‏ فعن ابن عبّاس - رضي الله عنهما - أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ «أمّني جبريل - عليه السلام - عند البيت مرّتين، فصلّى الظّهر في الأولى منهما حين كان الفيء مثل الشّراك، ثمّ صلّى العصر حين كان كلّ شيء مثل ظلّه، ثمّ صلّى المغرب حين وجبت الشّمس وأفطر الصّائم، ثمّ صلّى العشاء حين غاب الشّفق، ثمّ صلّى الفجر حين برق الفجر وحرم الطّعام على الصّائم، وصلّى المرّة الثّانية الظّهر حين كان ظلّ كلّ شيء مثله، لوقت العصر بالأمس، ثمّ صلّى العصر حين كان ظلّ كلّ شيء مثليه، ثمّ صلّى المغرب لوقته الأوّل، ثمّ صلّى العشاء الآخرة حين ذهب ثلث اللّيل، ثمّ صلّى الصّبح حين أسفرت الأرض، ثمّ التفت إليّ جبريل فقال‏:‏ يا محمّد، هذا وقت الأنبياء من قبلك، والوقت فيما بين هذين الوقتين»‏.‏ وهي أوّل صلاة ظهرت في الإسلام‏.‏

كما تسمّى بالهجيرة قال أبو برزة‏:‏ «كان رسول اللّه صلى الله عليه وسلم يصلّي الهجيرة الّتي يدعونها الأولى حين تدحض الشّمس، أو تزول»‏.‏

أوّل وقت الظّهر وآخره

3 - لا خلاف بين الفقهاء في أنّ أوّل وقت صلاة الظّهر هو زوال الشّمس، أي ميلها عن وسط السّماء، وذلك بحسب ما يظهر لنا ؛ لأنّ التّكليف إنّما يتعلّق به، ولا يشترط أن يكون في الواقع كذلك‏.‏

وأمّا آخر وقت الظّهر فقد اختلف الفقهاء فيه، فذهب جمهور الفقهاء إلى أنّ آخره هو بلوغ الظّلّ مثله غير فيء الزّوال‏.‏

والمشهور عن أبي حنيفة‏:‏ أنّ آخر وقت الظّهر إذا صار ظلّ كلّ شيء مثليه سوى فيء الزّوال‏.‏ ولمعرفة الزّوال وتفصيل الخلاف في آخر الظّهر، وأدلّة الفقهاء في ذلك ينظر مصطلح‏:‏ ‏(‏أوقات الصّلاة ف / 8‏)‏‏.‏

الإبراد بصلاة الظّهر

4 - ذهب جمهور الفقهاء إلى‏:‏ أنّه إذا كان الحرّ شديداً يسنّ تأخير صلاة الظّهر إلى الإبراد‏.‏ قال النّوويّ‏:‏ حقيقة الإبراد أن يؤخّر الصّلاة من أوّل وقتها بقدر ما يحصل للحيطان فيء يمشي فيه طالب الجماعة، ولا يؤخّر عن نصف القامة‏.‏ وقريب منه ما ذهب إليه المالكيّة والحنابلة‏.‏

أمّا الحنفيّة فيستحبّ عندهم تأخير الظّهر في الصّيف مطلقاً أي بلا اشتراط شدّة الحرّ وحرارة البلد‏.‏ ولتفصيل الموضوع ينظر مصطلح‏:‏ ‏(‏أوقات الصّلاة ف /16‏)‏‏.‏

قصر الظّهر وجمعها مع العصر

5 - اتّفق الفقهاء على مشروعيّة قصر صلاة الظّهر في السّفر ‏(‏ر‏:‏ صلاة المسافر‏)‏‏.‏

كما اتّفقوا على مشروعيّة الجمع بين صلاتي الظّهر والعصر في عرفة جمع تقديم، بأن يصلّيهما في وقت الظّهر‏.‏ واختلفوا فيما عدا يوم عرفة‏:‏

فذهب الجمهور إلى جواز الجمع بينهما بعذر السّفر جمع تقديم أو تأخير، بأن تصلّى العصر في وقت الظّهر أو بالعكس، خلافاً للحنفيّة‏.‏

وتفصيل الموضوع في مصطلح‏:‏ ‏(‏جمع الصّلوات‏)‏‏.‏

ما يستحبّ قراءته في الظّهر

6 - يستحبّ في الظّهر عند جمهور الفقهاء‏:‏ أن يقرأ الإمام أو المنفرد إذا كان مقيماً طوال المفصّل كصلاة الفجر، وذهب بعض الحنفيّة إلى أنّ الظّهر كالعصر، فيسنّ فيه أوساط المفصّل‏.‏

وورد في عبارات المالكيّة أنّ الظّهر كالصّبح في القراءة من الطّوال أو دون ذلك قليلاً‏.‏

واتّفق فقهاء المذاهب على أنّه يسرّ بالقراءة في جميع ركعات الظّهر، سواء أصلّاها جماعةً أم انفراداً، وتفصيل المسألة في مصطلح‏:‏ ‏(‏إسرار، صلاة، قراءة‏)‏‏.‏

ثانياً‏:‏ صلاة العصر

7 - العصر يطلق على معان منها‏:‏ العشيّ إلى احمرار الشّمس، وهو آخر ساعات النّهار، كما يطلق على الصّلاة الّتي تؤدّى في آخر النّهار، قال الفيّوميّ‏:‏ العصر اسم الصّلاة ‏"‏ مؤنّثة ‏"‏ مع الصّلاة، وبدونها تذكّر وتؤنّث‏.‏

ويقال‏:‏ أذّن للعصر‏.‏ أي لصلاة العصر‏.‏ وتسمّى صلاة العصر ب ‏(‏العشيّ‏)‏ لأنّها تصلّى عشيّةً‏.‏

أوّل وقت العصر وآخره

8 - ذهب جمهور الفقهاء‏:‏ المالكيّة، والشّافعيّة، والحنابلة، والصّاحبان من الحنفيّة إلى أنّ أوّل وقت العصر إذا صار ظلّ كلّ شيء مثله غير فيء الزّوال، وهذا رواية عن أبي حنيفة أيضاً‏.‏ ويستدلّون «بحديث إمامة جبريل - عليه الصلاة والسلام - وفيه‏:‏ ثمّ صلّى العصر حين كان كلّ شيء مثل ظلّه»‏.‏

والمشهور عن أبي حنيفة‏:‏ أنّ أوّل وقت العصر إذا صار ظلّ كلّ شيء مثليه غير فيء الزّوال ‏(‏ر‏:‏ أوقات الصّلاة‏)‏‏.‏

9- وهل يوجد وقت مهمل بين آخر الظّهر وأوّل العصر‏؟‏ اختلفت الرّوايات عن الفقهاء‏:‏ فيشترط بعض الشّافعيّة والحنابلة لدخول أوّل العصر أن يصير ظلّ كلّ شيء مثله، وزاد أدنى زيادةً‏.‏ قال الخرقيّ‏:‏ وإذا زاد شيئاً وجبت العصر ومثله ما نقله الشّربينيّ عن بعض الشّافعيّة وجملته‏:‏ أنّ وقت العصر من حين الزّيادة على المثل أدنى زيادةً متّصل بوقت الظّهر لا نصلّي بينهما‏.‏ كما حرّره ابن قدامة في المغني‏.‏

وروي عن أبي حنيفة - أيضاً - قوله‏:‏ إذا بلغ الظّلّ طوله سوى فيء الزّوال خرج وقت الظّهر، ولا يدخل وقت العصر إلى الطّولين‏.‏

وعلى هذا يكون بين الظّهر والعصر وقت مهمل، كما بين الفجر والظّهر‏.‏

والصّحيح عند الشّافعيّة‏:‏ أنّه لا يشترط حدوث زيادة فاصلة بينه وبين وقت الظّهر، كما قال الشّربينيّ، ومثله ما نقله ابن قدامة عن الحنابلة عدا الخرقيّ‏.‏ قال البهوتيّ‏:‏ من غير فصل بينهما، ولا اشتراك‏.‏

والمشهور عند المالكيّة‏:‏ أنّ أوّل العصر وآخر الظّهر يشتركان بقدر إحداهما، أي‏:‏ بقدر أربع ركعات في الحضر، وركعتين في السّفر، فآخر وقت الظّهر‏:‏ أن يصير ظلّ كلّ شيء مثله بعد طرح ظلّ الزّوال، وهو بعينه أوّل وقت العصر فيكون وقتاً لهما ممتزجاً بينهما‏.‏ ويؤيّده ظاهر «حديث إمامة جبريل حيث جاء فيه‏:‏ صلّى المرّة الثّانية الظّهر حين كان ظلّ كلّ شيء مثله لوقت العصر بالأمس»‏.‏

10 - أمّا آخر وقت العصر فهو ما لم تغرب الشّمس‏.‏ أي قبيل غروب الشّمس‏.‏

‏(‏ر‏:‏ أوقات الصّلاة‏)‏‏.‏

ما يستحبّ قراءته في العصر

11 - صرّح الحنفيّة والشّافعيّة بأنّه يسنُّ أن يقرأ في صلاة العصر بأوساط المفصّل‏.‏

وقال المالكيّة‏:‏ يقرأ فيها بالقصار من السّور مثل‏:‏ ‏{‏وَالضُّحَى‏}‏ و ‏{‏إِنَّا أَنزَلْنَاهُ‏}‏، ونحوهما‏.‏

ويستحبّ عند الحنابلة أن تكون القراءة في العصر على النّصف من الظّهر‏.‏

وجمهور الفقهاء على أنّ الإسرار في القراءة سنّة في العصر والظّهر، بينما يقول الحنفيّة‏:‏ بأنّه واجب‏.‏ وتفصيل الموضوع في مصطلح‏:‏ ‏(‏إسرار، وقراءة‏)‏‏.‏

التّنفّل بعد صلاة العصر

12 - اتّفق الفقهاء في الجملة على عدم جواز التّنفّل بعد صلاة العصر إلى أن تغرب الشّمس ؛ لقوله صلى الله عليه وسلم‏:‏ «لا صلاة بعد العصر حتّى تغيب الشّمس»‏.‏

وتشمل ذلك ما لو صلّيت العصر في وقت الظّهر جمع تقديم كذلك، كما صرّح به فقهاء المذاهب، وللتّفصيل ينظر مصطلح‏:‏ ‏(‏صلاة التّطوّع‏)‏‏.‏

ثالثاً‏:‏ صلاة المغرب

13 - المغرب في الأصل‏:‏ من غربت الشّمس إذا غابت وتوارت‏.‏

ويطلق في اللّغة على وقت الغروب ومكانه، وعلى الصّلاة الّتي تؤدّى في هذا الوقت‏.‏

أوّل وقت المغرب وآخره

14 - أجمع الفقهاء على أنّ أوّل وقت صلاة المغرب يدخل إذا غابت الشّمس وتكامل غروبها‏.‏ وهذا ظاهر في الصّحاري‏.‏ ويعرف في العمران بزوال الشّعاع من رءوس الجبال، وإقبال الظّلام من المشرق وآخر وقتها عند الجمهور ما لم يغب الشّفق‏.‏

والمشهور عند المالكيّة - وهو الجديد عند الشّافعيّة - أنّ للمغرب وقتاً واحداً وهو بقدر ما يتطهّر المصلّي ويستر عورته ويؤذّن ويقيم للصّلاة‏.‏ للتّفصيل ‏(‏ر‏:‏ أوقات الصّلاة‏)‏‏.‏

تسمية المغرب بالعشاء

15 - ذهب المالكيّة والشّافعيّة إلى كراهة تسمية المغرب عشاءً لما رواه عبد اللّه المزنيّ أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ «لا تغلبنّكم الأعراب على اسم صلاتكم المغرب‏.‏ قال‏:‏ وتقول الأعراب هي العشاء» ولا يكره تسميتها بالعشاء على الصّحيح من المذهب عند الحنابلة، ولكن تسميتها بالمغرب أولى‏.‏

رابعاً‏:‏ صلاة العشاء

16 - العِشاء بكسر العين والمدّ‏:‏ اسم لأوّل الظّلام من المغرب إلى العتمة، وسمّيت الصّلاة بذلك لأنّها تفعل في هذا الوقت‏.‏

والعَشاء بالفتح والمدّ‏:‏ طعام هذا الوقت ويجوز أن يقال لها‏:‏ العشاء الآخرة، والعشاء - فقط - من غير وصف بالآخرة قال تعالى‏:‏ ‏{‏وَمِن بَعْدِ صَلَاةِ الْعِشَاء‏}‏‏.‏

وقال صلى الله عليه وسلم‏:‏ «أيّما امرأة أصابت بخوراً فلا تشهد معنا العشاء الآخرة»‏.‏

تسمية صلاة العشاء بالعتمة

17 - أجاز أكثر الفقهاء تسمية صلاة العشاء بالعتمة لورودها في كثير من الأحاديث، منها ما رواه البخاريّ أنّ رسول اللّه صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ «لو يعلمون ما في العتمة والصّبح لأتوهما ولو حبواً» ومنها قول عائشة - رضي الله عنها -‏:‏ «كان يصلّون العتمة فيما بين أن يغيب الشّفق إلى ثلث اللّيل الأوّل» والعتمة هي شدّة الظّلمة كما يقول البهوتيّ‏.‏

18 - وكره بعض الشّافعيّة والمالكيّة تسميتها بالعتمة لما ورد من النّهي عن ذلك في حديث مسلم عن ابن عمر رضي الله عنهما - أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ «لا تغلبنّكم الأعراب على اسم صلاتكم، ألا إنّها العشاء وهم يعتمون بالإبل» معناه‏:‏ أنّهم يسمّونها العتمة لكونهم يعتمون بحلاب الإبل أي يؤخّرونه إلى شدّة الظّلّام وصرّح بعض الشّافعيّة أنّ النّهي للتّنزيه‏.‏

قال النّوويّ‏:‏ إنّ هذا الاستعمال ورد في نادر الأحوال لبيان الجواز فإنّه ليس بحرام، أو أنّه خوطب به من قد يشتبه عليه العشاء بالمغرب، فلو قيل‏:‏ العشاء لتوهّم إرادة المغرب ؛ لأنّها كانت معروفةً عندهم بالعشاء، وأمّا العتمة فصريحة في العشاء الآخرة‏.‏

وللمالكيّة في تسميتها قولان آخران‏:‏ أحدهما‏:‏ الجواز من غير كراهة، وثانيهما‏:‏ الحرمة

أوّل وقت العشاء وآخره

19 - لا خلاف بين الفقهاء في أنّ أوّل وقت صلاة العشاء يدخل من غيبوبة الشّفق، وإنّما اختلفوا في الشّفق‏.‏ فالجمهور على أنّه‏:‏ الحمرة، وأبو حنيفة وزفر يقولان‏:‏ هو البياض بعد الحمرة‏.‏

وآخر وقت العشاء إلى الفجر الصّادق ؛ لقوله صلى الله عليه وسلم‏:‏ «آخر وقت العشاء ما لم يطلع الفجر»‏.‏

هذا، وقد قسّم جمهور الفقهاء الوقت إلى اختياريّ، وضروريّ، وتفصيله في مصطلح‏:‏

‏(‏أوقات الصّلاة‏)‏‏.‏

صلاة فاقد العشاء

20 - اتّفق الفقهاء على أنّ سبب وجوب الصّلاة المفروضة هو الوقت، وذكروا حكم من لا يأتي عليهم العشاء في بعض أيّام السّنة أو كلّها، هل تجب عليهم صلاة العشاء أم لا‏؟‏ وإذا وجبت فكيف يؤدّونها‏؟‏ فذهب الجمهور إلى أنّه تجب عليهم صلاة العشاء ويقدّرون وقتها قدر ما يغيب الشّفق بأقرب البلاد إليهم‏.‏ وفي رأي عند بعض الحنفيّة‏:‏ أنّ من لا يأتي عليه العشاء لا يكلّف بصلاتها لعدم سبب وجوبها‏.‏ وللتّفصيل ينظر مصطلح‏:‏ ‏(‏أوقات الصّلاة‏)‏‏.‏

تأخير صلاة العشاء

21 - ذهب جمهور الفقهاء - الحنفيّة، والحنابلة، وهو قول عند الشّافعيّة - إلى أنّ تأخير العشاء مستحبّ إلى ثلث اللّيل، قال الزّيلعيّ‏:‏ قد ورد في تأخير العشاء أخبار كثيرة صحاح‏.‏ وهو مذهب أكثر أهل العلم من الصّحابة والتّابعين، ومن الأحاديث الّتي يستدلّون بها على استحباب تأخير العشاء قوله صلى الله عليه وسلم‏:‏ «لولا أن أشقّ على أمّتي لأمرتهم أن يؤخّروا العشاء إلى ثلث اللّيل أو نصفه»‏.‏

وقيّد بعض الحنفيّة استحباب تأخير العشاء بالشّتاء، أمّا الصّيف فيندب تعجيلها عندهم‏.‏ وذهب المالكيّة إلى أنّ الأفضل للفذّ والجماعة الّتي لا تنتظر غيرها تقديم الصّلوات، ولو عشاءً في أوّل وقتها المختار بعد تحقّق دخوله، ولا ينبغي تأخير العشاء إلى ثلث اللّيل إلاّ لمن يريد تأخيرها لشغل مهمّ، كعمله في حرفته، أو لأجل عذر، كمرض ونحوه‏.‏ لكن يستحبّ أن يؤخّرها أهل المساجد قليلاً لاجتماع النّاس، وأفضليّة تقديم الصّلوات لأوّل وقتها ولو عشاءً هو - أيضاً - قول آخر للشّافعيّة‏.‏ قال النّوويّ‏:‏ والأصحّ من القولين عند أصحابنا أنّ تقديمها أفضل، ثمّ قال‏:‏ وتفضيل التّأخير أقوى دليلاً‏.‏

كراهة النّوم قبل صلاة العشاء والحديث بعدها

22 - ذهب الفقهاء إلى أنّه يكره النّوم قبل صلاة العشاء والحديث بعدها لما رواه أبو برزة - رضي الله عنه - قال‏:‏ «كان النّبيّ صلى الله عليه وسلم يكره النّوم قبلها والحديث بعدها» قال النّفراويّ‏:‏ الحديث بعدها أشدّ كراهةً من النّوم قبلها‏.‏

والدّليل على كراهة النّوم قبلها‏:‏ هو خشية فوت وقتها، أو فوت الجماعة فيها‏.‏

لكن الحنفيّة قالوا‏:‏ إذا وكّل لنفسه من يوقظه في وقتها فمباح له النّوم، كما نقله الزّيلعيّ عن الطّحاويّ‏.‏

وكره المالكيّة النّوم قبل صلاة العشاء ولو وكّل من يوقظه ؛ لاحتمال نوم الوكيل أو نسيانه فيفوت وقت الاختيار‏.‏

أمّا كراهة الحديث بعد صلاة العشاء‏:‏ فلأنّه ربّما يؤدّي إلى سهر يفوت به الصّبح، أو لئلاّ يقع في كلامه لغو، فلا ينبغي ختم اليقظة به، أو لأنّه يفوت به قيام اللّيل لمن له به عادة ؛ ولتقع الصّلاة الّتي هي أفضل الأعمال خاتمة عمله والنّوم أخو الموت، وربّما مات في نومه‏.‏ وهذا إذا كان الحديث لغير حاجة، أمّا إذا كان لحاجة مهمّة فلا بأس‏.‏ وكذا قراءة القرآن، وحديث الرّسول صلى الله عليه وسلم ومذاكرة الفقه وحكايات الصّالحين، والحديث مع الضّيف، أو القادم من السّفر ونحوها فلا كراهة في شيء من ذلك ؛ لأنّه خير ناجز فلا يترك لمفسدة متوهّمة، كما قال النّوويّ وعن عمر - رضي الله عنه - قال‏:‏ «كان النّبيّ صلى الله عليه وسلم يسمر مع أبي بكر في أمر من أمور المسلمين وأنا معهما»‏.‏

خامساً‏:‏ صلاة الفجر

23 - الفجر في الأصل هو الشّفق، والمراد به ضوء الصّباح، سمّي به لانفجار الظّلمة به بسبب حمرة الشّمس في سواد اللّيل‏.‏ والفجر في آخر اللّيل كالشّفق في أوّله‏.‏

والفجر اثنان‏:‏

أ - الفجر الأوّل‏:‏ وهو الفجر الكاذب، وهو البياض المستطيل يبدو في ناحية من السّماء وهو المسمّى عند العرب بذنب السّرحان ‏(‏الذّئب‏)‏، ثمّ ينكتم‏.‏ ولهذا يسمّى فجراً كاذباً، لأنّه يبدو نوره، ثمّ يعقبه الظّلام‏.‏

ب - الفجر الثّاني أو الفجر الصّادق‏:‏ وهو البياض المستطير المعترض في الأفق، لا يزال يزداد نوره حتّى تطلع الشّمس، ويسمّى هذا فجراً صادقاً ؛ لأنّه إذا بدا نوره ينتشر في الأفق وفي الحديث‏:‏ «لا يمنعنّكم من سحوركم أذان بلال ولا الفجر المستطيل، ولكن الفجر المستطير في الأفق»‏.‏

قال النّوويّ‏:‏ والأحكام كلّها متعلّقة بالفجر الثّاني، فبه يدخل وقت صلاة الصّبح، ويخرج وقت العشاء، ويحرّم الطّعام والشّراب على الصّائم، وبه ينقضي اللّيل ويدخل النّهار‏.‏ ويطلق الفجر على صلاة الفجر ؛ لأنّها تؤدّى في هذا الوقت، وقد وردت هذه التّسمية في القرآن الكريم في قوله تعالى‏:‏ ‏{‏وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُوداً‏}‏، كما وردت تسميتها بالصّبح والفجر في الأحاديث النّبويّة، كقوله عليه الصلاة والسلام‏:‏ «من أدرك من الصّبح ركعةً قبل أن تطلع الشّمس فقد أدرك الصّبح»‏.‏

تسمية صلاة الفجر بالغداة

24 - جمهور الفقهاء على أنّه لا تكره تسمية صلاة الفجر بالغداة، كما صرّح به المالكيّة والحنابلة ومحقّقو الشّافعيّة‏.‏

ونقل النّوويّ عن الشّافعيّ قوله في الأمّ‏:‏ أحبّ أن لا تسمّى إلاّ بأحد هذين الاسمين ‏"‏ أي الفجر والصّبح ‏"‏، ولا أحبّ أن تسمّى الغداة‏.‏ قال النّوويّ‏:‏ وهذا لا يدلّ على الكراهة، فإنّ المكروه ما ثبت فيه نهي غير جازم، ولم يرد بل اشتهر استعمال لفظ الغداة فيها في الحديث وكلام الصّحابة - رضي الله عنهم - لكن الأفضل الفجر والصّبح‏.‏

وذكر في بعض كتب الشّافعيّة كالمهذّب وغيره كراهة هذه التّسمية‏.‏

تسميتها بالصّلاة الوسطى

25 - ذهب جمهور الفقهاء إلى أنّ المراد بالصّلاة الوسطى في قوله تعالى‏:‏ ‏{‏حَافِظُواْ عَلَى الصَّلَوَاتِ والصَّلاَةِ الْوُسْطَى‏}‏ صلاة العصر كما وردت في الأحاديث الصّحيحة‏.‏

والمشهور عند المالكيّة - وهو قول الشّافعيّ نصّ عليه في الأمّ - أنّ الصّلاة الوسطى هي الفجر، حتّى إنّ المالكيّة يسمّونها الوسطى، قال النّفراويّ‏:‏ لها أربعة أسماء‏:‏ الصّبح، والفجر، والوسطى، والغداة‏.‏ وللتّفصيل ينظر مصطلح‏:‏ ‏(‏الصّلاة الوسطى‏)‏‏.‏

أوّل وقت الفجر وآخره

26 - لا خلاف بين الفقهاء في أنّ أوّل وقت صلاة الفجر هو طلوع الفجر الثّاني أي الفجر الصّادق، وآخر وقتها إلى طلوع الشّمس، لقوله‏:‏ «إنّ للصّلاة أوّلاً وآخراً، وإنّ أوّل وقت الفجر حين يطلع الفجر، وإنّ آخر وقتها حين تطلع الشّمس»‏.‏

وقد قسّم بعض الفقهاء وقت الفجر إلى‏:‏ وقت اختيار، وضرورة، وغيرهما، ينظر تفصيله في مصطلح‏:‏ ‏(‏أوقات الصّلاة‏)‏‏.‏

القراءة في الفجر

27 - اتّفق الفقهاء على أنّه يسنّ في صلاة الفجر تطويل قراءتها، بأن يقرأ فيها طوال المفصّل قال أبو برزة - رضي الله عنه -‏:‏ «كان النّبيّ صلى الله عليه وسلم يقرأ في الفجر ما بين السّتّين إلى المائة آيةً» قال الشّربينيّ‏:‏ والحكمة في ذلك‏:‏ أنّ وقت الصّبح طويل والصّلاة ركعتان فحسن تطويلهما‏.‏

وهذا في الحضر‏.‏ أمّا في السّفر فيقرأ مع فاتحة الكتاب أيّ سورة شاء، وقد ثبت «أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم قرأ في صلاة الصّبح في سفره بالمعوّذتين»‏.‏

وتفصيل الموضوع في مصطلح‏:‏ ‏(‏قراءة‏)‏‏.‏

منع النّافلة بعد صلاة الفجر وقبلها

28 - لا خلاف بين الفقهاء في عدم جواز صلاة النّافلة بعد صلاة الفجر إلى أن تطلع الشّمس، كما أنّ جمهور الفقهاء لا يجيزون التّنفّل قبل صلاة الفجر - أيضاً - إلاّ ركعتي الفجر، لقوله عليه الصلاة والسلام‏:‏ «إذا طلع الفجر فلا صلاة إلاّ ركعتي الفجر»‏.‏

وينظر تفصيل الموضوع في مصطلح‏:‏ ‏(‏تطوّع، وأوقات الصّلاة‏)‏‏.‏

التّغليس أو الإسفار بالفجر

29 - يرى جمهور الفقهاء أنّ التّغليس‏:‏ أي أداء صلاة الفجر بغلس أفضل من الإسفار بها؛ لقوله صلى الله عليه وسلم‏:‏ «أفضل الأعمال الصّلاة في أوّل وقتها»‏.‏

وقال الحنفيّة‏:‏ ندب تأخير الفجر إلى الإسفار، لقوله عليه الصلاة والسلام‏:‏ «أسفروا بالفجر فإنّه أعظم للأجر» قال الزّيلعيّ‏:‏ ولا يؤخّرها بحيث يقع الشّكّ في طلوع الشّمس، بل يسفر بها بحيث لو ظهر فساد صلاته يمكنه أن يعيدها في الوقت بقراءة مستحبّة‏.‏ ويستثنى من الإسفار صلاة الفجر بمزدلفة يوم النّحر، حيث يستحبّ فيها التّغليس عند الجميع‏.‏ وتفصيل الموضوع في مصطلح‏:‏ ‏(‏أوقات الصّلاة ف /15‏)‏‏.‏

القنوت في صلاة الفجر

30 - ذهب المالكيّة والشّافعيّة إلى مشروعيّة القنوت في الصّبح‏.‏ قال المالكيّة‏:‏ وندب قنوت سرّاً بصبح فقط دون سائر الصّلوات قبل الرّكوع، عقب القراءة بلا تكبير قبله‏.‏

وقال الشّافعيّة‏:‏ يسنّ القنوت في اعتدال ثانية الصّبح، يعني بعد ما رفع رأسه من الرّكوع في الرّكعة الثّانية، ولم يقيّدوه بالنّازلة‏.‏

وقال الحنفيّة، والحنابلة‏:‏ لا قنوت في صلاة الفجر إلاّ في النّوازل وذلك لما رواه ابن مسعود وأبو هريرة - رضي الله عنهما -‏:‏ «أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم قنت شهراً يدعو على أحياء من أحياء العرب ثمّ تركه»، وعن أبي هريرة - رضي الله عنه‏:‏ - «أنّ رسول اللّه صلى الله عليه وسلم كان لا يقنت في صلاة الصّبح إلاّ أن يدعو لقوم أو على قوم» ومعناه أنّ مشروعيّة القنوت في الفجر منسوخة في غير النّازلة‏.‏

هذا وفي ألفاظ القنوت وكيفيّته خلاف وتفصيل ينظر في مصطلح‏:‏ ‏(‏قنوت‏)‏‏.‏